فصل: مسألة أوصى الرجل بخدمة عبده لرجل ما عاش:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة العبد بين الرجلين يخدم أحدهما حصته رجلا:

من سماع أصبغ من أشهب من كتاب البيوع والعيوب قال أصبغ: سمعت أشهب وسئل عن العبد بين الرجلين يخدم أحدهما حصته رجلا، قال: ذلك جائز، فإن قام صاحبه بالبيع، باع معه؛ فإذا باع انفسخت الخدمة وسقطت؛ قيل له: فإن علم صاحبه بإخدامه فأجاز، ثم أراد القيام بالبيع بعد ذلك؛ قال: ذلك له، قال أصبغ: ثم العمل في ذلك والأمر على القول الأول، قال أصبغ: قيل لأشهب: إن كان إنما رهن أحدهما حصته، قال: فالرهن جائز؛ فإن قام صاحبه بالبيع بيع، فإذا بيع، فإن كان الحق دنانير عجلت للمرتهن، وإن كان عن رضى، وقف الثمن حتى الأجل؛ قيل له: فإن واجر أحدهما حصته؟ قال: فالإجارة أيضا جائزة، فإن قام صاحبه بالبيع، فذلك له؛ فإذا بيع انفسخت الإجارة؛ قال أصبغ: إنما البيع هاهنا كالقتل، لو قتل بطلت الخدمة، وكان العقل للمخدم فكذلك الثمن؛ قال أصبغ: قلت لأشهب: فينتقد في الأجرة إذا أجر حصته؟ قال: لا بأس؛ قال أصبغ: لا يعجبني الاشتراط، وأرى فيه مقاررة، وكالبيع والسلف؛ لأن البيع ينقض الإجارة ولا يدري متى يقوم بالبيع، ويباع إذا كان القيام به لغيره.
قال محمد بن رشد: قد مضى لابن القاسم في رسم العشور من سماع عيسى خلاف قول أشهب وأصبغ في هذا السماع في الإجارة والخدمة، ومضى الكلام على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته، وأما قوله في- الرهن إذا قام الشريك ببيعه بيع- وكان الحق دنانير، أن الثمن يعجل؛ معناه: إلا أن يأتي الراهن برهن مثله، وقد قيل: إنه لا يعجل ويوضع على يدي عدل، وهو الذي في المدونة في الرهن يبيعه الراهن بإذن المرتهن، وهو أيضا قول مالك في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب الرهون، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة أخدم رجلا سنة عبدا ثم هو لآخر بتلا:

ومن كتاب القضاء العاشر:
وسئل عن رجل أخدم رجلا سنة عبدا ثم هو لآخر بتلا، فمات العبد قبل السنة وترك مالا، قال: هو لسيده- يعني المخدم؛ قال أصبغ: وذلك أنه مات قبل أن يجب لفلان ولا يجب له إلا ببلوغ الوقت الذي جعله له عنده- فلم يبلغه، وهو شبيه بالحرية، ولو جعله حرا بعد خدمة أحد فمات عن مال قبل ذلك، كان السيد أولى به، أو جرح- وقد اختلف قول مالك في البتل بعد الخدمة، وهذا أحب إلينا إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى القول عليها في الرسم الأول من سماع يحيى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى الرجل بخدمة عبده لرجل ما عاش:

ومن كتاب الوصايا:
وسمعت ابن القاسم يقول: إذا أوصى الرجل بخدمة عبده لرجل ما عاش، وأوصى لقوم بوصايا- ولا مال له غيره، فأمضى الورثة ما أوصى به صاحبهم من الخدمة فبيع ثلث العبد وعمر المخدم، وقومت خدمة العبد على قدر غررها، فحاص صاحبها أصحاب الثلث في ثمن ثلث رقبة العبد، فأخذها لنفسه وصنع بما شاء؛ واختدم أيضا ثلثي العبد حتى يموت، فإذا مات رجع الثلثان إلى الورثة قاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: نقل أبو إسحاق التونسي هذه المسألة من كتاب ابن المواز بلفظ أبين من هذا فقال: يباع ثلث العبد، فيتحاص في ثمن ثلث رقبة العبد مع أصحاب الوصايا والمخدم بقيمة خدمته على غررها، فما صار له من ذلك أخذه بتلا، ثم يختدم مع ذلك أيضا ثلثي العبد حتى يموت، فإذا مات رجع الثلثان إلى الورثة. قال أبو إسحاق: وفي هذا نظر؛ لأنه جعله يأخذ ما وقع له في المحاصة، ثم يأخذ ثلثي الخدمة وهو قد ضرب بها، فإنما ينبغي أن يدفع إلى الورثة ثلثي ما وقع له في المحاصة، لأنه عوض عن ثلثي الخدمة التي أسلموها له؛ وأما ثلث ما وقع في الحصاص فيأخذه، إذ لا يقرر الورثة إذا بيع ثلث العبد- أن يمضوا له خدمة ذلك، الجزء الذي يقع له في الحصاص فأخذ ثمنه عوضا منه، وكلام أبي إسحاق صحيح بين، وبالله التوفيق.

.مسألة قال عبدي يخدم فلانا عشر سنين ثم هو حر:

وسمعت ابن القاسم يقول: إذا أوصى رجل فقال: عبدي يخدم فلانا عشر سنين ثم هو حر، فلم يحمله الثلث، عتق منه ما حمل الثلث، وسقطت الخدمة والوصية؛ وإن أوصى فقال: عبدي يخدم فلانا شهرا ثم هو حر، وفلان يخدم سنة ثم هو حر، بدئ بصاحب الشهر إذا كان الشيء القريب من الأمر- هكذا، ولو أوصى فقال فلانا يخدم سنة ثم هو حر، وفلانا سنتين ثم هو حر، وفلانا يخدم عشر سنين- ثم هو حر، وفلانا عشرين سنة ثم هو حر؛ رأيت في ذلك كله أن يتحاصوا- وقاله أصبغ- إذا طالت الخدمة: فإن افترقا في الوقت فهو حصاص- وإن تباعد ما بينهما؛ وإذا قلت الخدمتان بدئ بالأول فالأول- وإن افترق ما بينهما.
قال محمد بن رشد: أما إذا رضي بخدمة عبده عشر سنين ثم هو حر، فلم يحمله الثلث، فلا اختلاف في أنه يعتق منه ما حمل الثلث وتسقط الوصية بالخدمة وغير الخدمة إن أوصى بوصايا مع الخدمة والعتق؛ لأن العتق بعينه يبدأ على ما سواه من الوصايا، وقد قال عبد الوهاب في المعونة إنه يبدأ على الزكاة- وهو بعيد في القياس؛ ووجهه اتباع ظاهر الحديث المروي عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أنه أمر أن تبدأ العتاقة على الوصايا فعم ولم يخص، وقد مضى في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب المدبر جملة من ترتيب الوصايا في التبدئة، فلا معنى لإعادته؛ وقال في هذه الرواية: إنه يبدأ المعتق على شهر، على المعتق إلى سنة، وإنه لا يبدأ المعتق إلى سنة على المعتق إلى سنتين ولا المعتق إلى عشر سنين على المعتق إلى عشرين سنة؛ ولم ينص هل يبدأ المعتق إلى سنة على المعتق إلى عشر سنين؛ والذي أقول به أنه يبدأ عليه على ظاهر هذه الرواية، ولا ينبغي أن يختلف في هذا، وإنما الاختلاف هل يبدأ المعتق إلى سنة على المعتق إلى سنتين. والثلاث ونحو ذلك أم لا؛ ولا اختلاف في أنه لا يبدأ المعتق إلى العشر سنين على المعتق إلى عشرين سنة قال في هذه الرواية ويتحاصون في الثلث، والمعلوم من مذهب ابن القاسم أنه يعتق ما حمل الثلث منهما بالسهم، فهو الذي نص عليه في رسم استأذن من سماع عيسى، ويحتمل أن يفسر بذلك ما في هذه الرواية، ولا تحمل على ظاهرها من الخلاف المعلوم من مذهبه، وبالله التوفيق.

.مسألة أخدم عبده رجلا عبدا له إلى أجل:

ومن كتاب الوصايا الصغير:
قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل أخدم عبده رجلا، عبدا له إلى أجل، ثم حضرت المخدم الوفاة، فأوصى بثلث ماله لرجل، وبذلك العبد المخدم لرجل آخر، قال: يضرب للموصى له بالعبد بقيمة العبد في الرجوع يوم يرجع على ما يساوي يومئذ مع صاحب الثلث، فما أصابه في ذلك الثلث فله، وتدخل وصيته في جميع الثلث إذا حالت، وقطع له بالثلث، قال أصبغ: وتفسير ذلك أن يكون مبلغ الثلث إذا أضيفت قيمة العبد بعد انقضاء الخدمة إلى التركة ستين دينارا وقيمة العبد على رجوعه من ذلك عشرين دينارا، فالثلث بينهم أرباعا، لصاحب الثلث ثلاثة، ولهذا واحد، فإذا رجع العبد بعد انقضاء الخدمة، اقتسما ثلثه على قدر ذلك أيضا؛ لأن ثلثه باقي الثلث، وثلثاه للورثة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بيّنة صحيحة المعنى، على ما فسرها به أصبغ، ومعنى ذلك إذا لم يجز الورثة الوصية، وقطعوا الموصى لهم بالثلث، وأما إذا أجازوا الوصية، فلا محاصّة في ذلك، إلا أنه يختلف: هل يلزمهم أن يبدءوا بالعبد على مرجوعه للموصى له به، وبثلث جميع المال مع العبد إلى الموصى له بالثلث، أو لا يلزمهم أكثر من أن يبدءوا إلى الموصى له بالثلث- ثلث المال سوى العبد، وبالعبد إلى الموصى له بالعبد على مرجوعه، فيكون ثلثاه للموصى له به، والثلث بينهما، والأول هو قول سحنون وأشهب، وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وعلى رواية علي بن زياد عنه فيها أيضا، والثاني هو قول ابن القاسم في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب الوصايا، ولم يختلف إذا أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بمائة دينار، فأجاز الورثة ذلك في أن عليهم أن يدفعوا الثلث كاملا للموصى له بالثلث، والمائة كاملة للموصى له بها، لا يدخل عليه الموصى له بالثلث في شيء منها، وما اتفقوا عليه، يقضي على ما اختلفوا فيه، وقد مضى هذا المعنى بزيادة بيان فيه في الرسم المذكور من سماع يحيى من كتاب الوصايا، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لرجل بوصايا ولرجل بخدمة عبد ما عاش:

ومن سماع موسى بن معاوية من ابن القاسم قال موسى بن معاوية: قال ابن القاسم في رجل أوصى لرجل بوصايا، ولرجل بخدمة عبد ما عاش، فلم يحمل ذلك الثلث، ووقع فيها العول، قال: يعمر المخدم ثم ينظر إلى قيمة تلك الخدمة على الرجاء والخوف فيها، أيتم ذلك أو لا يتم- لو كانت تواجر لغررها، فيحاص بها أهل الوصايا فيما قطع لهم من العبد وجميع ثلث المال، فيكون لكل واحد منهم الذي أوصى له به في حصته من الثلث.
قال ابن القاسم: ولو أخدمه عشر سنين ثم هو حر، بدئ بالعبد؛ لأنها عتاقة، ثم يُقوَّم، فإن كان العبد ثلث المال، قُومت تلك العشر سنين بحالها على الرجاء فيها والخوف لها، يقال: من يستأجر هذا العبد عشر سنين على أنه إن بقي فله خدمته، وإن مات لم يرجع بشيء، فعلى هذا تكون قيمة الخدمة، ثم يتحاصون في الخدمة مع أهل الوصايا بقدر وصاياهم، وصاحب الخدمة بقيمة الخدمة في خدمة العبد تلك السنين، فإن بلغ، عتق، وإن مات قبل ذلك، سقطت وصاياهم.
قال ابن القاسم: ولو فضل عن قيمة العبد فضلة من الثلث، تحاصوا الخدمة وفيما فضل من الثلث حتى تكون للذي أوصى لهم بالتسمية مما فضل من الثلث والخدمة بقدر ما أوصى لهم، ويكون للذي أوصى لهم بالخدمة من الخدمة ومما فضل من الثلث بقدر الذي يصيبه من قيمة الخدمة، يتعاولون جميعا في الخدمة، وفيما بقي من الثلث على ما فسرت لك.
قال ابن القاسم: ولو كان العبد أكثر من ثلث الميت خُير الورثة في أن يمضوا عتق العبد إلى الأجل، فإن فعلوا تحاصوا جميعا في الخدمة، وإن أبرأ، عتق منه ما حمل الثلث بتلا، وسقطت الوصايا والخدمة.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي أوصى لرجل بوصايا، ولرجل بخدمة عبد له ما عاش، فلم يحمل ذلك الثلث، ووقع فيها العول، أن المخدم يعمر ثم ينظر إلى قيمة الخدمة على الرجاء والخوف، فيحاص بها أهل الوصايا فيما قطع لهم من العبد وجميع ثلث المال، بيّن صحيح على أصولهم، والوجه في ذلك أن يعمر الموصى له بخدمة العبد ما عاش، فإن عمر ثمانين سنة- وسنه أربعون، قيل: كم قيمة خدمة هذا العبد عشرين سنة على أنه إن مات العبد قبل تمام العشرين سنة، لم يكن للمستأجر شيء، فإن قيل: عشرة دنانير- وقيمة العبد عشرون، وقد ترك المتوفى أربعين دينارا سوى العبد، وأوصى لرجلين بعشرة، عشرة، فالثلث على هذا عشرون، والوصايا ثلاثون: عشرة، عشرة- لكل واحد من الرجلين، وعشرة للموصى له بخدمة العبد، فيكون جميع الثلث بينهم أثلاثا: ثلث للعبد، وثلث الأربعين على هذه الرواية في أن الموصى له بخدمة العبد، يكون حظه في المحاصة شائعا في جميع الثلث، وعلى القول بأنه يقطع له فيما أوصى له به، وهو قول ابن القاسم الذي تقدم في رسم جاع من سماع عيسى، وأحد قولي مالك يكون له ثلث العبد، ويكون للرجلين الموصى لهما بعشرة، عشرة- ثلث الأربعين بينهما بنصفين: ستة وثلثان لكل واحد منهما، واختلف إن عاش أكثر مما عمر- والعبد حي لم يمت، هل يعمر ثانية ويرجع على الموصى لهما أم لا؟ وكذلك اختلف أيضا إن مات قبل الأجل الذي عمر إليه، أو مات العبد قبل ذلك، هل يرجع الموصى لهما عليه فيما فضل عنده أم لا؟ فقيل: إنه يرجع عليهما ويرجعان عليه، وقيل: إنه لا يرجع عليهما ولا يرجعان عليه، وقيل: إنهما يرجعان عليه ولا يرجع عليهما، وقد مضى تحصيل الاختلاف في هذا في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب الوصايا، وفي رسم العتق من سماع عيسى منه وفي آخر رسم الوصايا الأول من سماع أصبغ منه، ولا اختلاف في أن لكل واحد منهما الرجوع على صاحبه- إن حمل الثلث الوصية، أو إن لم يحملها فأجازها الورثة، وأما إذا أوصى بخدمة عبده لرجل عشر سنين، وأوصى بوصايا ثم هو حر، فإن لم يحمله الثلث، عتق منه ما حمل الثلث، وسقطت الوصايا بالخدمة وغير الخدمة؛ لأن العتق مُبَدَّأ على ما سواه من الوصايا، ولا اختلاف في هذا، وكذلك لا اختلاف إذا حمله الثلث- ولم يكن فيه فضل عنه في أن الموصى له بالخدمة يتحاص مع أصحاب الوصايا في الخدمة، ويعتق بعد انقضائها، واختُلف إذا كان في الثلث فضل عن العبد، فقيل: إنه يتحاص مع أصحاب الوصايا في الخدمة، ويعتق بعد انقضائهما، واختلف إذا كان في الثلث فضل عن العبد، فقيل: إنه يتحاص مع أصحاب الوصايا في الخدمة ويعتق بعد انقضائها إذا كان في الثلث فضل عن العبد، فقيل: إنه يتحاص مع أصحاب الوصايا في الخدمة وفيها فضل عنها، وهو قوله في هذه الرواية، وقيل: إنه يقطع له في خدمة العبد بما نابه في المحاصات، وهو قول ابن القاسم في رسم جاع من سماع عيسى، وقد تقدم القول هناك على ذلك، وأنه يتحصل فيه ثلاثة أقوال، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى بخدمة جارية له أن تخدم ابنه ما عاش:

قال ابن القاسم في رجل أوصى بخدمة جارية له أن تخدم ابنه ما عاش، فإذا مات تكاتب بعشرين دينارا، قال ابن القاسم: إن وسعها الثلث وقفت لخدمة الابن إن أجاز ذلك الورثة، وإن أبوا، اقتسموا خدمتها على فرائض الله، ما عاش الموصى له، ومن مات من الورثة فورثته على حقه من الخدمة، حتى يموت الموصى له بالخدمة، فإذا مات كوتبت بعشرين دينارا، فإن أدت، عتقت وتكون كتابتها بين من ورث الميت على فرائض الله، وإن عجزت رقت وكانت رقيقا بين من ورث الميت على فرائض الله، قال أصبغ: ويكون ولاؤها إن أدت وعتقت للميت الموصي بكتابتها، وعصبته الذين يرثون الولاء من الرجال، قال ابن القاسم: وإن لم يحملها الثلث، خُيِّر الورثة بين أن ينفذوا ما قال، فتكون موقوفة على الابن في خدمته إلى الأجل، ويقتسمون الخدمة إن لم يجيزوا له ذلك، ويكاتبوها بعد ذلك، وبين أن يعتقوا منها ما حمل الثلث بتلا، ويسقط عنها الخدمة حتى تتم الوصية، وبين أن يعجلوا لها الكتابة بما قال صاحبهم، قال ابن القاسم: وإن أبى واحد منهم، كانوا بمنزلتهم إذا أبوا جميعا، وإن أبى واحد منهم الكتابة أو الخدمة الموصى له بالخدمة أو غيره، أعتقوا منها ما حمل الثلث.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة في رسم الوصايا من سماع أصبغ من كتاب المكاتب، وسقط منها هناك قول ابن القاسم في أخرها: وإن أبى واحد منهم إلى آخر المسألة، وبه تتم المسألة وتصح؛ لأنه تفسير ما تقدم من قوله، ومن قول أصبغ في سماعه من كتاب المكاتب حسبما ذكرناه هناك، وبالله التوفيق.
تم كتاب الخدمة بحمد الله وحسن عونه، والصلاة الكاملة على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

.كتاب العتق الأول:

.رجل قال لغلامه اشتر لنفسك جارية فلتطأها فما ولد لك منها فهو حر:

كتاب العتق الأول من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب قطع الشجر قال: وسئل مالك: عن رجل قال لغلامه: اشتر لنفسك جارية فلتطأها، فما ولد لك منها فهو حر، فعمد الغلام فاشتراها من ماله سرا من سيده، فولد له منها، ثم علم السيد فأبى أن يعتق الولد وكره له أن يعمل ذلك سرا، قال: أرى ولده ذلك حرا- وإن كان اشتراها سرا، إلا أن يعلم أن السيد إنما أراد أن يستصلح عبده ولا يغيب عنها إلى الأرض النائية التي يكره السيد أن يتغرب إليها، يقول: إنما كان أعطاه هذا ليقيم عنده أو ما ولدت له عنده فهو حر، ولم يرد ما ولدت له في الأرض التي كرهت له أن يذهب إليها، ويغيب عني فيها، فهذا وجه هذا- عندي- والله أعلم.
قال محمد بن رشد: قوله: اشتر لنفسك جارية فلتطأها- يريد اشترها بمالك لنفسك؛ لأنه إذا اشتراها بماله بإذن سيده، جاز له أن يطأها، ولو كان مأذونا له في التجارة، لكان له أن يشتريها ويطأها، وإن لم يأذن له سيده في ذلك؛ لأن للعبد المأذون له أن يتسرى في ماله بغير إذن سيده على ما قاله في المدونة، وعلى ما جاء من أن عبيدا لعبد الله بن عمر كانوا يتسرون في أموالهم ولا يستأذنونه، وقد روى محمد بن يحيى السبائي عن مالك أن العبد لا يتسرى في ماله إلا بإذن سيده، ومعنى ذلك في غير المأذون له في التجارة حتى تتفق الروايات، وقد وقع في بعض الروايات اشتر لنفسك جارية بمالي أو بمالك، والرواية بإسقاط ذلك أصوب؛ لأنه لا يجوز له أن يطأها بمال السيد- وإن كان السيد قال له اشترها لنفسك بمالي تطؤها، إلا أن يكون وهبه الثمن على ما قاله في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، أو أسلفه إياه على ما قاله في رسم الطلاق من سماع أشهب منه؛ لأنه إذا قال له: اشترها من مالي لنفسك تطؤها، فلم يملكه رقبتها، وإنما أذن له في شرائها لنفسه ليطأها، وذلك تحليل منه له فرجها، وقول السيد فما ولد لك منها فهو حر، إيجاب أوجبه على نفسه يلزمه بظاهر قوله فعل ذلك في بلده بعلم سيده، أو في غير بلده سرا من سيده، فلا يصدق السيد إن فعل العبد ذلك سرا من سيده في غير بلده- في أنه لم يرد ذلك، إلا أن يعلم قصد السيد إلى استصلاح عبده بذلك لئلا يغيب عنه بأن يعلم أنه كان كثير المغيب عن مولاه، فاستماله بما وعده به من عتق ولده، لئلا يغيب عنه، فإذا غاب عنه وتسرى في بلد آخر وولد له فيه، لم يلزمه العتق، لمغيبه عنه، ومخالفته ما جرى عليه بساط يمينه، وبالله التوفيق.

.مسألة قال إن ولد لي ولد ذكر فرقيقي أحرار:

وسئل: عمن قال: إن ولد لي ولد ذكر، فرقيقي أحرار، وكانت امرأته حاملا فأراد أن بيعهم وهبتهم، قال: لا يبيع منهم شيئا وهم أحرار- إن ولدت ذكرا.
قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله: إنه لا يبيع منهم شيئا- إن كانت امرأته يوم قال هذا القول حاملا؛ لأنه نذر عتقهم إن وضعت امرأته ذكرا، فوجب ألا يخرجهم عن ملكه حتى يعرف ما تضع، ولو لم تكن امرأته يوم قال هذا القول- حاملا، لتخرج جواز بيعهم على اختلاف قول مالك، وابن القاسم في الذي يقول: عبدي حر إن قدم فلان، فمالك لا يرى أن يبيعه، وابن القاسم لا يرى ببيعه بأسا، ولا فرق بين المسألتين؛ لأنه لا يدري متى يقدم فلان؟ وهل يقدم أو لا يقدم؟ وهل يولد له ذكر أو لا يولد له ذكر؟ ولا يقع شيء من ذلك باختياره، ولو قال: إن فعلت كذا أو فعل فلان كذا وكذا، فعبيدي أحرار، لم يمنع من بيع ولا وطء؛ لأنه على بر، وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى عبدا بثمن إلى أجل وجعله حرا:

قال مالك: من اشترى عبدا بثمن إلى أجل وجعله حرا- إن لم يقضه إلى ذلك الأجل، لا يباع حتى يحل الأجل ويدفع إليه حقه، فإن جاء الأجل وعليه دين محيط برقبة العبد لم يعتق، وكان البائع أحق به من غيره من الغرماء.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يباع حتى يحل الأجل، هو مثل ما في المدونة وغيرها في الحالف بعتق عبده ليفعلن فعلا إلى أجل، أنه لا يباع حتى يحل الأجل فيبر أو يحنث؛ لأنه مرتهن بيمينه في البيع، ولو كاتب أمة، كان له أن يطأها على أحد قولي مالك في المدونة، وقوله: إن الأجل إذا حل وعليه دين محيط برقبة العبد لم يعتق، وكان البائع أحق به من غيره من الغرماء، صحيح لا اختلاف فيه- إن كان الدين الذي عليه سوى ثمن العبد يحيط برقبة العبد؛ لأنه إذا وجب رد العتق بسبب الدين، كان البائع أحق به، وأما إذا لم يحط برقبة العبد، أو لم يكن عليه دين سوى ثمن العبد- والبائع هو الذي استحلفه، فقيل: إنه لا يرد عتقه في الثمن للبائع؛ لأنه لما استحلفه فقد رضي بعتقه فيتبعه بدينه ويعتق العبد كله- إن لم يكن عليه دين سوى ثمنه، وإن كان عليه دين سوى ثمنه، بيع منه بالدين وأعتق الباقي، وإن كان الدين الذي عليه سوى ثمن العبد يحيط برقبة العبد، كان البائع أحق به، وإن شاء أن يتركه ويحاص الغرماء بالثمن فيه، كان ذلك له، وهو قول ابن وهب، وقيل: إنه يرد عتقه في الثمن، وإن كان البائع هو الذي استحلفه، وهو قول ابن القاسم في رسم أوصى من سماع عيسى، ووجهه أن البائع يقول: رجوت أن يكون له وفاء إن حنث عند الأجل، ولو لم أطمع بذلك ما استحلفته، واختلف على هذا القول إن أراد البائع لما حل الأجل أن يؤخره بدينه، ويقر العبد بيده لعله يجد وفاء فيعتق، فقال ابن القاسم في المدونة: ذلك له؛ لأنه خير للعبد، وروى محمد بن يحيى السبائي عن مالك فيها: أن ذلك ليس له؛ لأن العتق قد وجب بحلول الأجل، إلا أن يرده البائع بدينه، فإن أخره به، أعتق العبد، وليس له أن يؤخره بالثمن ويقر العبد بيده فيحرمه العتق، وهو القياس، وقول ابن القاسم استحسان، وبالله التوفيق.

.مسألة فر عبده فقال اخرج إلي يا فلان وأنت حر:

وقال مالك فيمن فر عبده- يعني لحق بالعدو، فقال: اخرج إلي يا فلان- وأنت حر، ثم خرج، فقال: إنما أردت أن أستخرجك، فقال: إن كان أشهد أنه أراد أن يقول ذلك ليستنقذ عبده ويأخذه؟ فلا عتق عليه، وإن لم يشهد، فهو حر.
قال محمد بن رشد: هذا أصل مختلف فيه، قد قال مالك في رسم أخذ يشرب خمرا من كتاب المديان والتفليس في الذي يكون له على الرجل الحق فيجحده ويدعوه إلى الصلح، فيصالحه وشهوده غُيَّب ويشهد في السر أنه إنما يصالحه؛ لأنه جحده، فخاف أن يذهب حقه، وأنه على حقه إذا حضرته بينته، أن الصلح يلزمه ولا ينتفع بذلك، وقال أصبغ في نوازله من كتاب الدعوى والصلح: إنه ينتفع بالإشهاد في الغيبة البعيدة، والتحرز من هذا الاختلاف: يكتب في كتب الاصطلاحات: وأسقط عنه الاسترعاء والاسترعاء في الاسترعاء، ومن الكتاب من يزيد ما تكرر وتناهى ولا معنى له؛ لأن الاسترعاء هو أن يشهد قبل الصلح في السر أنه إنما يصالحه لوجه كذا، فهو غير ملتزم للصلح، والاسترعاء في الاسترعاء، هو أن يشهد أنه لا يلتزم الصلح، وأنه متى صالح وأشهد على نفسه في كتاب الصلح أنه أسقط عنه الاسترعاء في السر فإنه لا يلتزم ذلك، ولا يسقط عنه القيام به، فلا يتصور في ذلك منزلة ثالثة، وهذا الاسترعاء في السر، إنما ينفع عند من يراه نافعا فيما خرج على غير عوض، وأما ما خرج على عوض من العقود كلها، فلا اختلاف في أن الاسترعاء فيها غير نافع، وبالله التوفيق.

.مسألة قال الرجل لعبده اعمل لي كذا وكذا وأنت حر:

وقال مالك: إذا قال الرجل لعبده اعمل لي كذا وكذا- وأنت حر، فرد ذلك العبد، قال سحنون: يعني لم يقبل العبد فرده على سيده، ثم بدا له فقال: أنا أعمله، فقال: ليس ذلك له.
قال محمد بن رشد: في قوله فرد ذلك العبد، دليل بين على أن السيد لا يجبر عبده على الكتابة، وقد روي عنه أن له أن يكاتبه كرها، حكى ذلك عنه إسماعيل القاضي في كتاب الأحكام له، والاختلاف في ذلك أيضا من قول ابن القاسم قائم من المدونة- حسبما قد ذكرناه في هذا الكتاب، ووجه قول من قال: أن له أن يجبره على الكتابة، هو إنه إذا كان له أن يؤاجره السنة والسنتين، ويأخذ أجرته وهو باق على رقه، فيكاتبه مدة معلومة على مقدار ما يعلم إنه يطيق أداءه في تلك المدة من عمله، واكتسابه لأزم له، ليس له أن يمتنع منه؛ لأن ذلك يمضي به إلى الحرية من غير ضرر يلحقه فيه وقوله في الرواية: أنه إذا رد فليس له أن يرجع إلى القبول، بين صحيح على القول بأنه يجبره على الكتابة، وعلى القول بأنه لا يجبره عليها؛ لأنه على القول بأنه يجبره على الكتابة كالتمليك في الطلاق الذي للرجل أن يجبر زوجته عليه، فإذا ملكها واختارت زوجها، لم يكن لها أن ترجع إلى اختيار نفسها، وعلى القول بأنه لا يجبره على الكتابة كالمبايعة لو قال الرجل للرجل: إن شئت سلعتي هذه فهي لك بكذا وكذا، فرد ذلك، وقال: لا أشاؤها بذلك، لم يكن له أن يرجع إلى قبولها وأخذها بذلك الثمن، إلا أن يشاء البائع، ولو افترقا من المجلس قبل أن يرد ذلك العبد، أو يقبل في الذي قال له سيده كذا وكذا- وأنت حر، لم يكن له أن يقبل بعد انقضاء المجلس قولا واحدا على القول بأن الرجل ليس له أن يجبر عبده على الكتابة؛ لأن ذلك كالمبايعة لو قال الرجل للرجل: لك سلعتي بكذا وكذا، فلم يقبل حتى انقضى المجلس، لم يكن له بعد المجلس قول، وأما على القول بأن الرجل يجبر عبده على الكتابة، فيكون له القبول بعد انقضاء المجلس على القول بأن للمملكة أن تقضي بعد انقضاء المجلس، ما لم توقف فترد، وقد قال ابن دحون: إن قول مالك في الرجل يوصي بتخير أمته فتختار الرد، أن لها أن ترجع إلى العتق- ما لم تبع، معارض لهذه المسألة، وليس ذلك بصحيح؛ لأن تخيير الرجل أمته بين العتق والبيع، بخلاف الوصية لها بذلك؛ لأن مواجهته إياها بالتخيير، يقتضي الجواب منها بالرد أو القبول، وليس كذلك الوصية لها بذلك؟ وقد مضى بيان هذا في سماع عيسى من كتاب الوصايا، وبالله التوفيق.

.مسألة أعتق الرجل في مرضه ولم يجد إلا شاهدا واحدا على عتقه:

قال: إذا أعتق الرجل في مرضه ولم يجد إلا شاهدا واحدا على عتقه، فاليمين على الورثة ما علموا بعتق صاحبهم.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، ظاهره أنه أوجب عليهم اليمين، ما علموا، وإن لم يحقق عليهم الدعوى بأنهم علموا، وذلك إذا كانوا ممن يظن منهم أنهم علموا على ما قال في كتاب العيوب والأقضية من المدونة، وقد قيل: إنه لا يمين عليهم إلا أن يدعي عليهم العلم، وهو الذي يأتي على ما في كتاب النكاح الثاني وكتاب بيع الغرر، والاختلاف في هذا على اختلافهم في لحوق يمين التهمة؛ لأنها يمين تهمة، وقد وقع لأصبغ في رسم محض القضاء من سماعه أن اليمين لا تجب على الورثة للعبد، وإن حقق الدعوى عليهم في العلم، وكان له شاهد على الميت بالعتق- وهو بعيد، وأما إذا لم يكن له شاهد على الميت بالعتق، فلا يجب له على الورثة اليمين- وإن ادعى عليهم العلم، وحقق به الدعوى عليهم؛ لأن اليمين إذا لم تجب على السيد، فأحرى ألا تجب على الورثة، وبالله التوفيق.

.مسألة العبد يعتق يريد في الوصية ثم يمرض العبد مرضا شديدا يخاف عليه:

قال ابن القاسم في العبد يعتق- يريد في الوصية ثم يمرض العبد مرضا شديدا يخاف عليه، أرى أن يعتق إذا اجتمع المال لا يؤخر لمرضه إذا اجتمع المال، ولا يعجل لمرض إن تأخر المال.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن المال إذا اجتمع، وجب أن تنفذ الوصية له بالعتق، ولا يؤخر ذلك رجاء أن يصح- مخافة أن يموت فتبطل الوصية، وإذا لم يجتمع المال، لم يصح أن يعتق مخافة أن يموت، ولعل المال يهلك ولا يجتمع، فيكون قد أعتق وهو لا يخرج من الثلث، ولا أن يعتق منه ما حمل الثلث ما اجتمع من المال فيبعض العتق؟ وإن دعا إلى ذلك العبد على مذهبه في المدونة خلاف قول أشهب، وبالله التوفيق.